غربة الأديب

لا تُقاس غربة الأديب ببُعد المسافة فقط، بل تتجلى أحيانًا حين لا يجد نفسه منسجمًا مع مجتمعه، رغم أنه يعيش بين أهله ويتحدث لغتهم. هي غربة داخلية، يشعر فيها أن أفكاره لا تجد صدى، وصوته لا يُسمع، وكلماته تمرّ كأنها مكتوبة بلغة منسية.

الأديب ابنُ السؤال والقلق والدهشة. وعندما يصطدم هذا المزاج الحاد بتيار مجتمعي يُمجّد المألوف ويخشى التغيير، يشعر الكاتب أنه غريب… حتى وهو في قلب وطنه.

قال نجيب محفوظ ذات يوم: “أعظم مأساة للأديب أن يولد قبل أوانه في مجتمع لا يفهمه.”

وكم من أديبٍ كتب ما رآه الناس لاحقًا نبؤة، بينما حُكم عليه في لحظته بالغرابة أو النشاز.

وحشة الأديب ليست ضعفًا، بل وعي، وهي التي تصنع أدبًا صادقًا. فالأدب المنسجم مع التيار يُستهلك سريعًا، أما الأدب الخارج من رحم الغربة، فهو الأبقى.

لأنه لا يُجامل، ولا يكتب لإرضاء اللحظة، بل لينقل حقيقة الذات.

في النهاية، لا يسعى الأديب إلى العزلة، بل يحاول أن يقول ما لا يقال. وربما لا يُفهم الآن، لكن سيأتي وقت يُقرأ فيه نصه كوثيقة صدق، ويُقال عنه:

كان هنا… وكان يعرف أكثر مما قلنا.